الحاكم في الشريعة:
هو الله عزوجل باتفاق العلماء, سواء عرف حكمه بالوحي, أو بالاجتهاد, ولهذا قالوا:
الحكم: هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين, و دليل ذلك قوله تعالى: ((إِنِ
الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ))
[الأنعام: 6/57].
و انماالخلاف بين
العلماء فيما يعرف به حكم الله, فهل لابد لذلك من الشرع, أو إن العقل يمكنه ادراك
الأحكام قبل بعثه النّبي؟ وهذا وهو موضوع التحسين و تقبيح العقلي.
للعلماء في هذا ثلاثة
مذاهب:
الأول:
مذهب الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري (324 ه): وهو أن الحسن و القبح شرعيان,
وليس للعقل أن يدرك حكم الله في أفعال المكلفين إلا بواسطة الكتب و الرسل؛ لأن
العقول تختلف اختلافا بينا في الأفعال, فبعض العقول يستحسن بعض الأفعال و بعضها
يستقبحها. و لذا يكون كل ما أمر به الشرع كا لإيمان و الصلاة و الح هو حسن. و ما
نهى عنه كاكفر وغيره من المحرمات هو قبيح, ولا يقال: ما رآه العقل حسنا فهو عند
الله حسن, و مطلوب فعله, و يثاب عليه فاعله, و ما رآه العقل قبيحا فهو عند الله
قبيح, و مطلوب تركه, و يعاقب فاعله.
و بناء عليه, لا يكلف
الإنسان بفعل شيء أو ترك شيء, إلا إذا بلغته دعوة الرسول وشرع من الله, و لاثواب و
لا عقاب, فمن عاش في عزلة تامة عن العالم و لم تبلغه دعوة رسول ولا شرع, فهو ناج
غير مكلف, و أهل الفترة: و هم الذين عاشوا
بين فترتي رسولين ناجون غير مكلفين بشيء, و لايستحقون ثوابا ولا عقابا؛ لقوله
تعالى: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)) [الإسراء: 17/15]
الثاني: مذهب المعتزلة أتباع واصل بن عطاء (131 ه) و
عمرو بن عبيد (144 ه): وهو أن الحسن و القبيح عقليان: فيمكن للعقل أن يعرف حكم
الله في أفعال المكلفين بنفسه من غير وساطة رسول و كتاب, بناء على ما يوجد في
الأفعال من صفات نفع أو ضرر, و ما رآه
العقل حسنا فهو مطلوب لله, و يثاب فاعله, و ما رآه العقل قبيحا فهو واجب الترك و
يعاقب فاعله.
و بناء عليه, كل من
لم تبلغهم دعوة الرسول وشرائع الله, هم مكلفون بما ترشده أليه عقولهم, فيفعلون ما
تستحسنه عقولهم, و يتركون ما تستقبحه عقولهم؛ لأن كل عاقل يدرك حسن الصدق و الوفاء
و الأمانة و شكر النعمة, و يدرك قبح الكذب و الغدر والخيانة و كفر النعمة.
الثالث: مذهب الماتريدية أتباع أبي
منصور الماتريدي (333 ه) و منهم أئمة الحنفية: وهو أن الحسن و القبيح عقليان لا
يتوفقان على الشىرع, بل يدركهما العقل, بناء على ما في الأفعال من خواص والآثار,
فما رآه العقل السليم حسنا فهو حسن, وما رآه العقل السليم قبيحا فهو قبيح, و
لكن لا يلزم أن تكون أحكام الله في الأفعال المكلفين على ما وفق ما
تدركه عقولنا في حسن أو قبيح؛ لأن العقول
قد تختئ.
و
هذا هو المذهب الوسط و المعقول و المعتدل, فأصول الأخلاق و الفضائل يدرك العقل
حسنها لما فيها من نفع, و أصول الرذائل يدرك العقل قبحها لما فيها من ضرر.
و
بناء عليه, لا تعد الذمة العبد قبل ورود الشريعة مشغولة بطلب شيء فعلا أو تركا, و
لا جزاء من الله مطلقا قبل ورود الشرائع, وإن اتفقوا مع المعتزلة مع العقول صالحة
لإدراك مناط الثواب أو عقاب في بعض الأفعال.
و
تنحصر ثمرة الخلاف بين هذه المذاهب فيمن تبلغهم
دعوة الرسول و الشرائع, أما من بلغتهم الشرائع, فمقياس الحسن و القبح للأفعال: هو
ما ورد في الشريعة, لا ما تدركه عقولهم بالاتفاق, فما أمر به الشرع فهو حسن, و ما
نهى عنه فهو قبيح.
(الوجيز في اصول الفقه, وهبة الزحيلي, ص. 144_146)
(الوجيز في اصول الفقه, وهبة الزحيلي, ص. 144_146)
0 komentar:
Posting Komentar